السبت، 3 يناير 2015

رحلة مشروع القرار الفلسطيني لإنهـاء الاحتـلال ـ رزمة من التنازلات بدون مردود



نيويورك – “القدس العربي»: وزعت النسخة الأولى من مشروع القرار الفلسطيني الذي غلف بغلاف عربي لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي بتاريخ 30 أيلول /سبتمبر وتم طرحه للتصويت يوم 30 كانون الأول/ ديسمبر 2014. ثلاثة أشهر بالتمام والكمال مثلت رحلة من التنازلات الخطيرة لإرضاء الطرفين الأمريكي والأوروبي كي يتجنب مشروع القرار العقبة الأولى وهي الحصول على تسعة أصوات إيجابية ثم يتخطى العقبة الثانية وهي إحجام الولايات المتحدة عن إستخدام حق النقض “الفيتو». ولكي تطمئن القيادة الشعب الفلسطيني أن مشروع القرار عمل نضالي كبير يحتاج إلى حشد كل القوى للانتصار في هذه المعركة المصيرية كررت ما عملته في الماضي وهو إعطاء عنوان غير دقيق للمعركة، حيث سمي مشروع القرار “قرار إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة المستقلة» بينما يحتوي مشروع القرار على تنازلات خطيرة لم تجرؤ القيادات السابقة، على رخاوتها جميعا، أن تقدم مثل هذه التنازلات.
إن هذا العنوان الخاطئ للمعركة الدبلوماسية يذكرنا بما حدث في 15 تشرين الثاني/نوفمبر 1988 عندما أعلنت القيادة الفلسطينية “باسم الله وباسم الشعب الفلسطيني» إعلان قيام دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشريف غطاء للاعتراف بحق إسرائيل في الوجود والاعتراف بقرار 242 (1967) والتخلي عن الكفاح المسلح الذي قبلت القيادة أن تطلق عليه إسمي “الإرهاب والعنف» واتفاق أوسلو الكارثي بتاريخ 13 أيلول/سبتمبر 1993 والذي تم تسويقه كمشروع لوقف الاستيطان وتحرير السجناء وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة بعد خمس سنوات، وكذلك طلب التقدم بعضوية الأمم المتحدة للأمين العام عام 2011 والذي تم تسويقه كأنه معركة حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وخرجت الجماهير تستقبل البطل العائد من نيويورك وانتهى الطلب على» فاشوش» ولم يصل إلى قاعة مجلس الأمن بعد أن حسمت دولة البوسنة والهرسك موقفها وقررت أن تمتنع عن التصويت وبالتالي لم يتوفر تسعة أصوات إيجابية ولم تعقد الجلسة أصلا.
الحقيقة أن هذه المرة لم تكن هناك مفاجأة في الموضوع. فتركيبة المجلس لعام 2014 والتي انتهت يوم 31 كانون الأول/ديسمبر من أسوأ ما عهدناه في المجلس منذ نهاية الحرب الباردة. ولم يكن ممكنا على الإطلاق أن يحصل مشروع القرار على تسعة أصوات، فلماذا أصرت القيادة رغم التحذيرات العديدة التي أطلقها العديد من المختصين في شؤون المنظمة الدولية من التقدم للتصويت قبل نهاية العام بيومين فقط علما أن القيادة تعرف جيدا أن هناك أربع دول صديقة ستدخل المجلس في الأول من كانون الثاني/يناير 2015 وهي إسبانيا وأنغولا وفنزويلا وماليزيا وستخرج من المجلس دول مثل كوريا الجنوبية ورواندا وأستراليا؟ ولماذا لم تنتظر يومين فقط وتتقدم بمشروع القرار لتحصل على عشرة أصوات إيجابية على الأقل حتى لو لم تصوت فرنسا مع مشروع القرار وبالتالي إجبار الولايات المتحدة على إستخدام الفيتو؟
نعتقد أننا لا نجانب الصواب إذا قلنا إن اللعبة مكشوفة. القيادة تعرف مسبقا أن مشروع القرار سيفشل لأنه لن يحصل على الحد الأدنى من الأصوات التي تؤهله للإعتماد وبالتالي تعفي الولايات المتحدة من إستخدام الفيتو وتظهر وكأنها تناضل بجد لإنهاء الاحتلال ولكن الولايات المتحدة تتصدى لهم، والرد سيكون بالانضمام إلى المزيد من المعاهدات والمنظمات الدولية بما فيها المحكمة الجنائية الدولية. وستدق الطبول مرة أخرى حول الجرأة والشجاعة اللتين تتمتع بهما القيادة في تصديها لإسرائيل والولايات المتحدة وتطلب الانضمام إلى نظام روما الأساسي لعام 1998 الذي أنشأ المحكمة. ونود مرة أخرى أن نؤكد أن كل هذا جعجعة دون طحن وستمضي الأيام والليالي والسنوات والاحتلال يترسخ وتهويد القدس يتعمق وبناء الجدار يستكمل ومصادرة الأراضي تتسع وهدم البيوت يزداد وإبقاء المناضلين وراء القضبان يتواصل والقيادة بين الحين والآخر تفتعل معركة في غير مكانها ودون حسابات المردود ودون برنامج عملي ولو بسيط لعمل ما يمكن أن يحول الاحتلال إلى مشروع مكلف لإسرائيل حتى تعيد حساباتها.


مشروع القرار الأصلي
والمعدل- تنازلات خطيرة


وضع مشروع القرار الأصلي الموزع بتاريخ 30 أيلول/سبتمبر معظم النقاط الأساسية في ديباجة القرار وليس في الفقرات العاملة. فقد ذكر في الديباجة كافة القرارات التي تشير إلى حل الدولتين منذ قرار التقسيم 181 (1947) إلى قرار 1379 (2002) الذي تحدث في الديباجة عن رؤية حل الدولتين ثم القرار 1515 (2003) الذي نص ضمن الفقرات العاملة على حل الدولتين مرورا بالقرارين المشهورين 242 (1967) و 338 (1973). كما أشار ت الديباجة إلى قضية عدم شرعية ضم القدس حسب القرار 478 (1980) والمستوطنات والجدار العازل حسب رأي محكمة العدل الدولية الصادر بتاريخ 9 تموز/يوليو 2004. كما أشارت الديباجة إلى حل مشكلة اللاجئين حلا عادلا بناء على قرار 194 (1948). كما أشارت أن حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لا يتم إلا عبر الوسائل السلمية للوصول إلى حل الدولتين اللتين تعيشان جنبا إلى جنب ضمن حدود معترف بها وتحقيق سلام شامل دون عنف أو إرهاب أو تحريض. ثم تأتي الفقرات العاملة والتي تشكل صلب القرار وهي التي تعتبر ذات وزن. فالديباجة تشكل مقدمة لا تحمل الوزن الذي تحمله الفقرات العاملة.
يتكون مشروع القرار من أربع عشرة فقرة عاملة، تبدأ بتصميم مجلس الأمن على تحقيق حل سلمي قائم على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي الذي بدأ عام 1967 وتحقيق رؤية قيام دولتين»دولة فلسطين الديمقراطية المستقلة وذات السيادة والمترابطة جغرافيا والقادرة على الحياة جنبا إلى جنب مع دولة إسرائيل في سلام وأمن وضمن حدود معترف بها على أساس حدود ما قبل عام 1967». كما يدعو مشروع القرار إلى تكثيف الجهود من خلال المفاوضات لتحقيق السلام الشامل والعادل والدائم للصراع العربي الإسرائيلي القائم على قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة ومبدأ الأرض مقابل السلام والمبادرة العربية للسلام وخارطة الطريق التي صاغتها اللجنة الرباعية. وبناء على هذه المبادئ يتم إتخاذ الخطوات التالية:
1. تقوم إسرائيل، سلطة الاحتلال، بالانسحاب من كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 بما فيها القدس الشرقية، بأقصى سرعة ممكنة وضمن إطار زمني محدد بحيث لا يتجاوز شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2016 وتحقيق إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة وممارسة الشعب الفلسطيني لحقه في تقرير مصيره.
2. يتم تحقيق حل الدولتين عبر المفاوضات.
3. حل عادل لوضع القدس كعاصمة لدولتين.
4. حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين على ضوء أو بالانسجام مع قرار الجمعية العامة 194 لعام 1948.


ملاحظات على مشروع القرار الأصلي


الملاحظة الأولى: لأول مرة يتحدث مشروع قرار صادر عن الفلسطينيين عن حل عادل لقضيتين أساسيتين هناك قرارات دولية واضحة فيهما هي قضية القدس وقضية اللاجئين. في قضية القدس يقر بأن القدس عاصمة لدولتين وهو ما يخالف قرار التقسيم 181 وسياسة منظمة التحرير بكون القدس عاصمة الدولة الفلسطينية. وفي قضية اللاجئين هناك إغفال متعمد لقضية حق العودة وعدم ذكرها ولو من قبيل المساومة فذكر القرار 194 دون التطرق نصا لحق العودة يعني أن هناك نية مبيتة لتجاوزه واستبداله بخيارات أخرى.
الملاحظة الثانية: يخضع تنفيذ مشروع القرار للعودة إلى المفاوضات والتي قد لا تنتهي أبدا مثلما كانت المفاوضات حول القرار 242 (1967) والقرار 338 (1973) واتفاقيات أوسلو وغيرها. أي أن هناك إعادة إنتاج لتجربة إستمرت 21 عاما دون أن تؤدي إلى نتائج وكأن المقصود من مشروع القرار أصلا إيجاد غطاء للطرف الفلسطيني للعودة إلى المفاوضات.
والملاحظة الثالثة: يخلو مشروع القرار من إنشاء إطار أممي متخصص في موضوع تنفيذ القرار خلال السنوات الثلاث، لكنه يوكل المهمة للأمين العام لتقديم تقارير دورية لمجلس الأمن حول تنفيذ القرار.
الملاحظة الرابعة: يخلط مشروع القرار بين الانتهاكات والممارسات اليومية وبين الحل النهائي. فمشروع الحل النهائي يجب أن يتم تخصيصه بالكامل للحل النهائي الذي يغطي كافة المواضيع كالحدود واللاجئين والقدس والمستوطنات والمصادر الطبيعية كالمياه والمعابر وربط الضفة وغزة وتحرير الاقتصاد من التبعية. أما أن يخلط ذلك في المساعدات الإنسانية وفتح المعابر وإعادة الإعمار فيحول مشروع القرار إلى مشروعين، واحد يتعامل مع نتائج حرب الخمسين يوما على غزة والذي إستطاعت الولايات المتحدة وأد محاولة إعتماد مشروع قرار عملت على كتابته فرنسا وبريطانيا بالتشاور مع الأردن العضو العربي الوحيد في مجلس الأمن، والثاني مشروع قرار يضع أساسا للحل النهائي للصراع وإقامة الدولة الفلسطينية.


النص الثاني لمشروع القرار المعدل


غاب مشروع القرار لأكثر من شهرين قيل إن الفرنسيين طرحوا مشروعهم حول إعطاء الأطراف فترة سنة مفاوضات ثم إستكمال الانسحاب خلال سنتين أي في نهاية 2017. فقامت المجموعة العربية بإجراء بعض التعديلات على النسخة الأصلية وأعيد توزيع مشروع القرار المعدل بتاريخ 18 كانون الأول/ديسمبر. وفي محاولة للاقتراب من مشروع القرار الفرنسي تبنى مشروع القرار العربي فكرة إعطاء المفاوضات سنة كاملة في إطار مؤتمر دولي وسنتين لإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية والاعتراف المتبادل. وينص مشروع القرار العربي على أن حدود الدولة الفلسطينية هي حدود 4 حزيران/يونيو 1967 مع قبول محدود لفكرة تبادل الأراضي. تبدأ المفاوضات المباشرة بين الطرفين مباشرة بعد إعتماد القرار لمدة سنة و يتم تفكيك الاحتلال تدريجيا خلال السنتين اللاحقتين وينص مشروع القرار على “إنسحاب تدريجي لقوات الأمن الإسرائيلية» والتي سوف تنهي الاحتلال الذي بدأ عام 1967 في موعد لا يتجاوز نهاية 2017. وتعلن الدولة الفلسطينية المستقلة على أن تكون القدس “عاصمة مشتركة للدولتين والتي تلبي التطلعات المشروعة للطرفين وتحمي حرية العبادة». ويدعو كذلك إلى حل قضية اللاجئين حلا عادلا ويتم الاتفاق على ترتيبات أمنية من خلال طرف ثالث لضمان سيادة الدولة الفلسطينية خلال الانسحاب التدريجي للقوات الإسرائيلية. لم يتطرق المشروع المعدل لموضوع الاستيطان أو حق العودة أو الأسرى أو أن تكون القدس عاصمة الدولة الفلسطنية.


التعديلات الأخيرة على مشروع القرار


إنتشرت النسخة المعدلة في كافة الصحف (وقد نشرتها “القدس العربي»حرفيا بتاريخ 19 كانون الأول/ديسمبر) فلقيت من الرفض الشعبي والفصائلي ما لم يكن يتوقعه محررو النسخة المعدلة التي سلمت إلى رئيس المجلس عن طريق مندوبة الأردن دينا قعوار بتاريخ 19 كانون الأول/ديسمبر. ولاحتواء الضجة الكبيرة التي أثارتها مجموعة التنازلات الكبرى في النسخة المعدلة من القرار إجتمعت المجموعة العربية صباح يوم الإثنين 29 كانون الأول/ديسمبر وأدخلت عليها التعديلات التالية والتي حاولت إستدراك السقطات الكبرى في النسخة الثانية:
- في ديباجة القرار
أضيف إلى فقرة التأكيد على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره جملة “والاستقلال في دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية».
- أضيف إلى الديباجة هذه الفقرة: إذ يستذكر القرارت ذات الصلة المتعلقة بوضع القدس بما في ذلك القرار 478 (1980) بتاريخ 20 آب/أغسطس 1980، وواضعا بالاعتبار أن ضم القدس الشرقية غير معترف به لدى المجتمع الدولي، وهو النص الذي كان مثبتا في المشروع الأصلي.
- وأضيفت هذه الفقرة للديباجة: وإذ يشير إلى الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بتاريخ 9 تموز/يوليو 2004 حول التبعات القانونية لبناء جدار في الأرض الفلسطينية المحتلة.
أما في الفقرات العاملة في القرار فقد تم إدخال التعديلات التالية:
الفقرة الثانية- إنسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلية بدل إنسحاب قوات الأمن الإسرائيلية.
الفقرة الثانية: إضافة : حل عادل لوضع القدس كعاصمة لدولتين- وتم حذف كلمة عاصمة مشتركة لدولتين.
الفقرة الثانية: إستبدلت الفقرة حل القضايا العالقة الأخرى بما فيها المياه- أصبحت: حل عادل لكافة القضايا العالقة بما فيها المياه والسجناء.
الفقرة العاشرة أصبحت فقرتين: دعوة الطرفين للامتناع عن إتخاذ قرارات أحادية غير شرعية، أضيف إليها: إضافة إلى الاستفزاز والتحريض… وحذفت منها جملة “بما في ذلك الأنشطة الإستيطانية» لتصبح فقرة مستقلة. وأضيف إليها “والتي من شأنها زيادة حدة التوتر» ثم تستكمل الفقرة النص الأصلي…. وتقويض سلامة وإمكانية تحقيق قيام حل الدولتين على أساس المعايير التي يحددها هذا القرار.
رغم هذه التازلات والتي لا تخفى على عين مراقب أو قارئ أو محلل، طرح المشروع للتصويت يوم 30 كانون الأول/ديسمبر ليحصل على ثمانية أصوات فقط. وبالتالي فشل المشروع ليس لأن الولايات المتحدة صوتت هي وأستراليا ضده، فلا قيمة للتصويت بعد حصوله على ثمانية أصوات فقط. وقد أعلن رئيس المجلس، الممثل الدائم لتشاد، شريف محمد زيني، قائلا: لقد فشل إعتماد مشروع القرار لانه لم يحصل على تسعة أصوات إيجابية. أي أن الولايات المتحدة لم تستخدم الفيتو كما يشاع لأن الكرة أصلا لم تصل إلى المرمى حتى يتصدى لها الحارس ويمنع إختراقها للشباك.
إن النتيجة تلك لم تكن مفاجئة. وأنا واثق لو أن نيجيريا صوتت بنعم ستقوم فرنسا عندها بالتصويت بامتناع لإفشال المشروع كما فعلت بالضبط عام 2011 حيث أبلغت الفلسطينيين أنها لا تستطيع أن تصوت لصالح الإعتراف بدولة فلسطين لأنها لو فعلت ذلك لما كان هناك حاجة إلى صوت البوسنة والهرسك.
إن هذا الفشل المتوقع يجب أن يتحمل مسؤوليته من أصر على طرح مشروع القرار للتصويت رغم أن هناك الكثيرين ممن حذروا من مغبة مغامرة غير محسوبة النتائج. وإذا كان الفشل متوقعا فلماذا تقديم تنازلات مجانية إن لم يكن الهدف ترويض الفلسطينيين على القبول بمثل تلك التنازلات؟ لكننا نراهن دائما على وعي شعب تمرس بالنضال ولا تنطلي عليه هذه المناورات التي لا تحرر وطنا ولا تفكك مستوطنة ولا تعيد لاجئا واحدا. لقد آن الأوان لأن يخضع من يتحمل المسؤولية إلى نظام المساءلة وإلا أصبحت السلطة دكتاتورية قاهرة ظالمة تؤدي إلى التفريط بالوطن وبكرامة المواطنين وحقوقهم التاريخية.


عبد الحميد صيام



رحلة مشروع القرار الفلسطيني لإنهـاء الاحتـلال ـ رزمة من التنازلات بدون مردود

شبكة نبض اونلاين
www.nabdon.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق