الاثنين، 5 يناير 2015

الشرق والغرب… نكرههم ويكرهوننا



عام جديد حلّ على العالم من دون شيء في الأفق يشجع على التفاؤل بأنه سيكون أقل سوءا من الذي انتهى. منذ أكثر من ربع قرن تُنهي البشرية أعوامها وتبدأ أخرى جديدة بتفاؤل ودعوات وتمنيات تتبخر مع طلوع شمس أول ايام العام الجديد، فينطبق عليها قول الجزائريين الدارج: “العام الرايح خيرٌ من الجاي»!
مثل العبور من 2013 إلى 2014، كانت لحظات العبور من 2014 إلى 2015 واحدة وممتدة كجسر رغم أنها تعني في عمقها العبور من سنة إلى أخرى، وفصلا بينهما. استمرت المدفعية في القصف والسيوف في قطع الرقاب والدماء في التدفق، واستمرت كوابيس اللاجئين والمنكوبين من نساء وأطفال وشيوخ. واستمرت ايضا الأحقاد والكراهية ومشاعر الرفض والإقصاء في التدفق.
الصراعات والحروب باتت اليوم تتغذى أولاً من حقد ديني وعقائدي وطائفي ومذهبي بعد أن كانت الأيديولوجيا والمصالح الاقتصادية وقودها. وهذا أسوأ ما قد يصيب إنسانا: أن تَقتُل أو تُقتل لأن الآخر يختلف معك أو عنك دينيا أو مذهبيا، أو يؤمن بغير ما تؤمن به.
جورج بوش الإبن لم يتورع عن الحديث عن حرب صليبية جديدة. ومثله لمّح رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، على الرغم من أن دوافع اقتصادية، وإن خفية، كانت وراء حربيهما في العراق وأفغانستان ورغبتيهما في التوسع عسكريا في المحيط الهائ لمحاصرة الصين.
لسوء الحظ أن الهلال الممتد جغرافياً من المغرب إلى الهند، وضمنه المنطقة العربية، هو الملعب الأسخن والأفضل لهذه الحروب، بفصولها الداخلية والخارجية. هو اليوم جاهز لتقبل الحروب الموجودة والموعودة مثل جاهزيته لتقبل الاستعمار الأوروبي في القرنين الماضيين.
يخوض هذا الهلال حروبه وحروب الآخرين. كل الصراعات تُلعَب على أرضه. وبهذا الشكل هو خاسر ولو انتصر (رغم ان الانتصار ليس حليفه). حاليا هو يخوض حربين، واحدة داخلية مع نفسه يحرق فيها ذاته وإمكاناته ويهدد بها وجوده، وخارجية بعض أسبابها موضوعية مثل الاستعمار والتدخلات الخارجية لاحقا. والعلاقة بين الداخل والخارج معقدة ومتداخلة، يؤثر أحدهما على الآخر بقوة.
أخطر ما في الأمر أن أغلب هذه الحروب والنزاعات مدفوعة بأسباب روحية تجعل من الصعب إطفاؤها أو السيطرة عليها. والقادم أسوأ، لأن الهوة تتسع يوميا، داخليا وخارجيا.
خارجيا، الهوة تتسع لأن الثقة بيننا وبينهم تنعدم يوماً بعد يوم. الذين يتحدثون عن حوار الحضارات والصداقة بين الشعوب مجرد رومانسيين حالمين يقفزون على الواقع بحقائقه وآلامه. كلامهم جميل عندما يُلقى في محاضرات بفنادق فخمة على صفوة محدودة من الناس، ولا يليق أبداً بميادين القتال ومن حول الجثث والجماجم وأنهار الدماء التي ترويها.
الغرب يكره الشرق، والعكس صحيح. وهذا ما لا يملك كلاهما شجاعة الإقرار به. وأسباب التناحر والصراع أكثر واقوى من أسباب التقارب والتعايش. هناك الحالات الشاذة التي يجب أن تُحفظ ولا يمكن أن يقاس عليها. هنا جزٌّ لرقاب كل من هو أشقر وإبادة (حقيقية ورمزية) لكل ما هو غرب. وهناك تحريض (بالأساليب الحضارية التي تليق بتلك المجتمعات) على كل ما هو شرق، إنسان أو فكرة.
المتطرفون هنا يُلحِقون ما استطاعوا من أذى بالآخر. وهناك متطرفون لا يتورعون عن إلحاق الأذى عينه بالآخر.
من هناك احتلال للعراق وأفغانستان وتدخل في مالي والنيجر وإفريقيا وباكستان. ومن هنا هجمات نيويورك ولندن ومدريد، واختطاف الرعايا الغربيين في الهلال المشتعل.
في نظر الكثير هنا، الغرب كافر فاجر ونجس. وعند الكثير هناك، الشرق نجس ومتوحش، متخلف وانتهازي.
نحن نلاحقهم بما استطعنا، بما في ذلك القتل ودعوات الموت والهلاك. وهم يلاحقوننا بما استطاعوا، بما في ذلك حرق المساجد والمصليات، وبصناديق الاقتراع التي تفرز زحفا لافتا لليمين المتطرف الذي يحلم بتسفير غير الشقر نحو الهلال، ويخطط لذلك.
تداخل التفاصيل اليومية وتشابك أسباب الاختلاف والاقتتال فرضا غموضا يدفع إلى اليأس من احتمال تحقيق توافق، وطرحا جدلية تشبه جدلية الدجاجة والبيضة: هل ننهي القتال أولاً لتستتب الأفكار وتتصالح الأرواح ثانيا، أم تتصالح الأرواح وتهدأ الأفكار أولاً ليتيح ذلك إنهاء الحروب؟
الآن في هذه الظروف لا صوت يعلو على صوت السيوف وجز الرقاب، ولا لون يطغى على لون الدم ورائحته. الشرق والغرب يتصرفان كأنهما يعتزمان إبادة بعضهما.
وجب في الختام القول إن الغرب تفوَّق على الشرق من حيث أنه جاذب لأبنائه. الملايين من أبناء الشرق يشتركون في حلم واحد هو أن يعيشوا في الغرب الذي يكرهونه ويدعو له أئمتهم بالهلاك والخراب. وإذا كان اللاجئون ومنكوبو الحروب والأزمات معذورين في سعيهم للوصول إلى الغرب، لا عذر لمن تبدو أحوالهم ميسورة وحياتهم أقل اضطرابا في حلمهم وسعيهم للالتحاق بهذا الغرب.
ربما هناك تفسير لحلم وطموح الاستقرار في الغرب والاستفادة من جوازات سفره واختراعاته العلمية وإبداعاته الأخرى كالإنترنت وتشعباتها. التفسير هو الخوف وعدم ثقة هؤلاء في مستقبل الشرق والحياة فيه. المشكلة أن أبناء الشرق في الغرب غير سعداء وغير راضين. فقد نقلوا معهم رفضهم وكرههم له. لا الشرق أسعدهم ولا الغرب أرضاهم.


٭ كاتب صحافي جزائري


توفيق رباحي



الشرق والغرب… نكرههم ويكرهوننا

شبكة نبض اونلاين
www.nabdon.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق