الجمعة، 2 يناير 2015

تصعيد في الأزمة بين الرباط والقاهرة بعد تقارير تصف السيسي بـ«قائد الانقلاب»



الرباط ـ “القدس العربي»ـ من محمود معروف: خيوط كثيرة تشابكت في العلاقات المصرية المغربية وغيوم كثيفة غطت سماء هذه العلاقات بعد تقرير إخباري بثته القنوات الرسمية المغربية، حول حركة الثالث من تموز/ يوليو في مصر التي عزل فيها الجيش المصري الرئيس محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين عن الحكم، ووصف الحركة بالانقلاب.
اختلفت التحاليل وتعددت الأسباب والأسئلة حول أبعاد هذا التقرير، وإن كان يعبر عن تغيير بالموقف الرسمي المغربي من نظام الرئيس السيسي، ام أنه لحظة غضب مؤقتة تنتهي عندما تزول أسباب الغضب المتراكمة.
مساء أمس الأول الخميس ولأول مرة منذ الثالث من تموز/ يوليو، تتحدث القناتان المغربيتان الرسميتان الأولى والثانية، بشكل مباشر، بأن ما وقع في مصر يعد انقلابا عسكريا، وقالت القناة الأولى في تحقيقها إن “الجيش قام بانقلاب عسكري بقيادة عبد الفتاح السيسي، وعزل الرئيس المنتخب محمد مرسي، وعطل العمل بالدستور، وصدرت أوامر باعتقال المئات من المعارضين».
وأضافت القناة “منذ إعلان بيان الانقلاب، خرجت العديد من المظاهرات في أنحاء مختلفة من مصر وأصيب العشرات في اشتباكات بمحافظة الشرقية مسقط رأس مرسي… وقد أجهض الانقلاب العسكري الذي قاده عبد الفتاح السيسي مسلسل الانتقال الديمقراطي الذي دخلت فيه مصر، هذا الانقلاب وضع حدا لمطامح الشعب المصري، حيث أنهى عهدة الرئيس المنتخب محمد مرسي…هي عملية اعتبرت ردة على خيارات الشعب المصري…».
وقالت إن مصر “عاشتْ منذُ الانقلاب العسكري الذي نفذه المشير عبد الفتاح السيسي عام 2013 على وقع الفوضى والانفلات الأمني، حيث اعتمد هذا الانقلاب على عدد من القوى والمؤسسات لفرضه على أرض الواقع، وتثبيت أركانه». وتحدثت عن الاعتقالات، وأعمال قتل طالت 500 من المعتصمِين في ميدان رابعة العدويَّة في القاهرة، دون ان تغفل ردُود الفعل الدولية التي أعقبت فضَّ اعتصام رابعة، من خلال التنبيه إلى أنَّ دور العسكر في مصر يبعثُ على القلق، بعد التراجع عن استحقاقات قال فيها الشعب المصري كلمته. وقالت إن خروقاتٍ شابت الانتخابات الرئاسية في مصر، من خلال إعلان فوز السيسي بنسبة 96 بالمائة، بالرغم من حديث اللجنة العليا للانتخابات في البلاد عن مشاركة لمْ تتعدَّ 47 بالمائة.
القناة الثانية بثت تحقيقا لمدة 4 دقائق و7 ثوان عن تراجع السياحة بمصر، وقالت إن الأزمة بدأت منذ الثورة على الرئيس حسني مبارك في 2011، وتوالت ما بعد الإطاحة بالشرعية الانتخابية المتمثلة في محمد مرسي من طرف الجيش، حيث وصل المشير عبد الفتاح السيسي إلى منصب الرئاسة في انتخابات محسومة النتائج مسبقاً.
ولاحظ المراقبون احتفاء الموقع الإلكتروني لحزب “العدالة والتنمية» (الإسلامي) المغربي، الذي يقود الحكومة برئاسة عبد الإله بنكيران، الجمعة، بانتقاد القناتين المغربيتين للأوضاع الداخلية في مصر، معتبرا ذلك “انقلابا إعلاميا» على النظام
ومعلقا على التقريرين غير المسبوقين، قال الموقع، الذي أبرز الخبر على صفحته الرئيسية مرفوقا بصورة محتجين مصريين: “تبدو هذه اللغة جديدة على الخط التحريري للقناتين، بل تعتبر بمثابة انقلاب في الخطاب الإعلامي تجاه النظام الجديد في مصر، الشيء الذي يفتح الباب أمام المحللين والمراقبين لمعرفة خفايا هذا التحول وأسرار التغير الطارئ».
السفير المغربي في القاهرة محمد سعد العلمي سارع الى التوضيح بأن ما بثّ في المغرب مجرد محاولة من شخص “غير معروف» للوقيعة بين البلدين، وقال “نحن لا نريد أن نسقط في هذا الفخ»، مطالبا الإعلام بنبذ أي محاولة تهدف إلى الإساءة للبلدين.
وكان المغرب الرسمي من أوائل المرحبين بحركة الثالث من تموز/ يوليو في مصر، وبعث العاهل المغربي الملك محمد السادس مهنئا خصوم الرئيس مرسي، وزار وزير الخارجية المغربي صلاح الدين مزوار القاهرة، واستقبله عبد الفتاح السيسي يوم 5 حزيران/ يونيو 2014 وهنأ الملك محمد السادس الرئيس عبد الفتاح السيسي بعد اختياره رئيسيا وخاطبه “أشيد بالثقة التي حظيتم بها من لدن الشعب المصري الشقيق في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخه الحديث، لقيادته إلى تحقيق ما يصبو إليه من ترسيخ لروح الوئام والطمأنينة، وتقدم وازدهار، في ظل الأمن والاستقرار».
وحرص المغرب الرسمي على منع أي تحرك أو اشارة تسيء لعلاقاته مع القاهرة، رغم أن الحزب الرئيسي بالحكومة (حزب العدالة والتنمية) يلتقي سياسيا وايديولوجيا مع جماعة الإخوان المسلمين، حيث منعت السلطات وقفة تضامنية للصحافيين المغاربة مع صحافيي قناة الجزيرة المعتقلين في مصر، وطالبت العدالة والتنمية بالتخفيف من تأييد مرسي، وحوكمت شابة مغربية لأنها رفعت رمز رابعة مع لاعب مصري في الموندياليتو السنة الماضية في أكادير.
كريم السباعي، مدير التواصل بالشركة المغربية للإذاعة والتلفزة، أكد أن التقرير الذي بثته القناة الأولى ليلة أمس، عمل عادي، قدم معطيات معروفة ومتداولة على ما يجري في مصر. وقال إن الصحافي اعتمد في تقريره على ما هو متداول وسط الرأي العام، وما تنشره وكالات الأنباء العالمية.
ولم ينف السباعي او يؤكد ما إذا كان التقرير الذي بثته القناة الأولى، يعبر عن الموقف الرسمي للمغرب كونه “مجرد مسؤول للتواصل وهذا يفوق تخصصه». وقال “إن المخول له بالجواب عن هذا السؤال، هو وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى الخلفي، باعتباره وصيا على القطاع ومسؤولا حكوميا».
المحللون ربطوا الانقلاب السياسي – الاعلامي الرسمي/ المغربي بأنه رد فعل على تراكمات إساءة وجهت له من الإعلام المصري، وكان آخرها تقارير حول زيارة الملك محمد السادس الخاصة لتركيا. وحاولت مصادر مصرية اتهام الإخوان بافتعال الأزمة، إلا أن خالد الرحموني القيادي بحزب “العدالة والتنمية» قال إنه “لا وجود لتنظيم الإخوان المسلمين بالرباط، حتى يتم الاتصال بهم، لافتعال أزمة بين مصر والمغرب».
وأضاف خالد الرحموني، في تصريحات صحافية: “حكاية التنظيم الدولي للإخوان المسلمين وهم يسكن في أوهام الانقلابيين ومحاولة إقحام الإخوان المسلمين في التقرير التلفزيوني الرسمي المغربي استمرار لخطاب الشيطنة والاغتيال المعنوي للإخوان بعد الاغتيال المادي لهم من طرف الانقلابين في مصر».
وبالتاكيد، تبقى الجزائر، الشقيق اللدود للمغرب، حاضرة في هذه التحليلات حيث ترى أن مصر/ السيسي مالت كثيرا إلى الجزائر التي عملت على رفع حظر الاتحاد الإفريقي على عبد الفتاح السيسي وتنسيق البلدين سياستهما حول تطورات الوضع في ليبيا. كما زودت مصر باحتياجاتها من الغاز لمواجهة الأزمة الشائكة في الطاقة وخاصة هذه المادة. ووقع البلدان اتفاقية خلال حزيران/ يونيو الماضي.
وترى هذه التحليلات أن الجزائر تسترد فواتيرها الدبلوماسية بموقف تجاه نزاع الصحراء الغربية الذي تدعم فيه الجزائر جبهة البوليساريو في مواجهة المغرب. وتسجل هذه التحليلات انخراط صحافيين ومثقفين مصريين مقربين من الدولة المصرية في حملات إعلامية لصالح الجبهة البوليساريو، وزاروا مخيمات تندوف حيث تجمعها الرئيسي وخصصوا مقالات وريبورتاجات في الصحافة والتلفزيونات لما اعتبروه “استعمار المغرب للصحراء الغربية».
ورأى المراقبون ان التحول في موقف المغرب جاء بعد التقارب المصري الجزائري الأخير، حيث تلقت مصر مساعدات من الجزائر أخيرا، إضافة للتنسيق المصري الجزائري حول ليبيا..
وردا على هذه التطورات قال دبلوماسي مصري بالقاهرة، إن وزير الخارجية المصري، سامح شكري، ربما يزور المغرب، لوأد الأزمة الأخيرة بين البلدين.
وأوضح الدبلوماسي، الذي تحفظ على كشف هويته، أن “الوزير كلف السفير المصري في الرباط، أحمد إيهاب، ببذل الجهود والمساعي بالتعاون مع المسؤولين المغاربة لوأد الأزمة، وفي حال لم تتكلل تلك الجهود بالنجاح فإن الوزير سيزور الرباط للقيام بهذه المهمة.»
وبدأت تداعيات هذا الانقلاب الإعلامي الرسمي المغربي تظهر في الصحف المصرية حيث اعتبرت صحيفة “دوت مصر» أن وكالة الاناضول التركية اهتمت كثيرا بالتحقيق الذي بثه الإعلام المغربي، في اشارة لإمكانية دور تركي في هذا ارتباطا بالزيارة الخاصة التي يقوم بها العاهل المغربي الملك محمد السادس لاسطنبول.
صحيفة “بوابة القاهرة» أعادت الموقف المغربي الجديد الى التهجمات المتكررة للإعلام المصري على المغرب كان آخرها الهجوم على الملك محمد السادس بسبب زيارته لتركيا، والتي وصلت حد الهجوم على الأسرة الملكية بأكملها، وهو ما يعتبر حسب الصحيفة خطا أحمر لدى المغاربة.
وقالت الصحيفة إن الهجمات والانفلاتات المتكررة للإعلام المصري ترجمها المغرب إلى ضربة موجعة للنظام عندما جعل من السيسي قائدا للانقلاب بدل رئيس مصر الجديد.
وربطت صحيفة “المصري اليوم» الإلكترونيَّة، أولهما بحفل الشاي الذِي جمع ملك المغرب محمد السَّادس، إبَّان زيارته الخاصة إلى اسطنبول بالرَّئيس التركِي، رجب طيب أردوغان، في حين تتحدث في مستوًى ثانٍ، عن موقف حزب العدالة والتنمية، القائد للتحالف الحكومِي بالمغرب من نظام السيسي، لتخلص إلى ما قالتْ إنَّها محاكاةٌ من البيجيدي للنموذج التركي.
واعتبرت صحيفة “في الموجز» تقرير الأولى تغيرا شديدا في الموقف الرسمي للمغرب تجاه مصر. فيما وصفت صحيفة “المصريون» لهجة القناة الأولى بـ»مفاجأة من العيار الثقيل».
وفي تعليقٍ لقرَّاء مصريِّين على التحول يقُول أحدهم إنَّ مصر لمْ تكدْ تطوِي صفحة الخلاف مع قطر، التِي رعتها السعوديَّة، حتى أبدى المغرب موقفا جديدا من النظام في مصر، محملا أردوغان مسؤوليَّة التحول “أردوغان لقى مفيش فايدة في قطر راح جابْ لينا المغرب».



تصعيد في الأزمة بين الرباط والقاهرة بعد تقارير تصف السيسي بـ«قائد الانقلاب»

شبكة نبض اونلاين
www.nabdon.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق